کد مطلب:163874 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:269

التوجه الاجتماعی الشامل لرسالات الانبیاء
ان الذی یقرأ القرآن الحكیم بتدبر، یفهم ان رسالة الانبیاء (ع) لم تكن دائماً موجهة ضد الكفار والمشركین بالمعنی الضیق للكلمتین، أی لم تكن موجهة ضد أولئك الذین یكفرون أساساً برسالة الله، أو یجحدون وجود الله بصورة علنیة وواضحة، وانما اكثر رسالات السماء كانت موجهة أیضاً ضد أولئك الذین حرفوا رسالات السماء ونافقوا وفسقوا.. نعم ان نمرود كان ینكر وجود الله من الاساس وحینما قال له ابراهیم (ع) اعبد الله تراه، یقول: من هو الله، فلما قال له:

«رب السماوات والأرض الذی یحیی ویمیت».

قال انا أحیی وأمیت: قال: ابراهیم (ع):

«فان الله یاتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذی كفر» (258) البقرة.

وفرعون كذلك، قد یكون ممن ینكر الله انكاراً تاماً فحینما جاءه موسی وهارون لكی ینذراه قال لهما: من ربكما یا موسی؟

قال موسی:

«ربنا الذی أعطی كل شیء خلقه ثم هدی» (50) طه.

ان الرجل كان یزعم بأنه كان هو الرب الاعلی لمصر ولشعب مصر.

«أنا ربكم الأعلی» (24) النازعات.

ولكن لیست كل المجتمعات التی أرسل الیها الانبیاء علیهم الصلاة والسلام كانت من هذا النوع، إنما الكثیر منهم كانوا من الذین بدلوا حقائق الحیاة، وحرفوا رسالات السماء وفسقوا وأجرموا، وقد استخدمت كلمة الشرك والكفر وكلمات من هذا القبیل فی القرآن الحكیم مرة فی النوع الاول، ومرة فی النوع الثانی، لانه حسب البصیرة القرآنیة لا فرق بین النوعین فكلاهما شرك وكفر عند الله.

لا فرق بین أن تدعی انك تؤمن بالله ثم تكفر به عملیاً، أو تدعی ذلك رأساً، ولا فرق بین أن تعتقد بأنك تؤمن بالله ثم تشرك به عن طریق خضوعك وسجودك لصنم وبین أن تشرك بالله عن طریق خصوعك لطاغوت، فان ذلك صنم وهذا هو الآخر صنم، أحدهما صنم حجری، والآخر صنم بشری ولا فرق بینهما.

ولذلك التبست الامور علی طائفةً من الناس ففسروا القرآن وزعموا ان كلمة الشرك والكفر والفسق، إنما هی مخصوصة باولئك الذین كانوا یعلنون الشرك ویجحدون بالله بصورة واضحة.

أسباب وأهداف وتوجیهات بعثة الأنبیاء.

لنعد الی القرآن ونتدبر فی آیاته لنری من الذی أرسل الیهم الانبیاء، وبالتالی لنعرف لماذا كان قیام الانبیاء (ع)، وماذا كان هدف الانبیاء (ع) من ثورتهم، ومن حركتهم التصحیحیة فی مسیرة الكون.

القرآن الكریم یقول:

«كذبت قوم نوح المرسلین إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون-انی لكم رسول أمین-فاتقوا الله وأطیعون-وما أسئلكم علیه من أجر ان أجری إلا علی رب العالمین فاتقوا الله وأطیعون» (105/110 الشعراء)

فی هذه الآیات نری بصورة واضحة ان النبی نوح (ع) وهوشیخ المرسلین كان یأمر قومه بالتقوی وبالطاعة مما یدل علی ان مشكلتهم كانت الفسق، ومعصیة الرسول، فلننظر ماذا أجابه قومه قالوا:

«أنؤمن لك واتبعك إلا الارذلون» 111/الشعراء

هذا هو الجواب الذی یدل علی نوعیة المشكلة، فما هی مشاكل مجتمع النبی نوح علیه الصلاة والسلام؟.

المشاكل الاجتماعیة فی عهد نوح (ع) آنذاك كانت الطبقیة، والنبی نوح (ع) إنما جاء لحل هذه الاشكالات من مجتمعه، فقالوا أنؤمن لك، واتبعك الارذلون.

وناتی علی طائفة أخری من الاقوام البشریة وهم عاد وجاء فی القرآن الحكیم:

«كذبت عاد المرسلین - إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون - انی لكم رسول أمین - فاتقوا الله وأطیعون - وما أسئلكم علیه من أجر ان أجری إلا علی رب العالمین - أتبنون بكل ریع آیة تعبثون - وتتخذون مصانع لعلّكم تخلدون - واذا بطشتم بطشتم جبارین - فاتقوا الله واطیعون - واتقوا الذی أمدّكم بما تعلمون - أمدّكم بأنعام وبنین - وجنات وعیون - انی أخاف علیكم عذاب یوم عظیم - قالوا سواء علینا أوعظت أم لم تكن من الواعظین - ان هذا إلا خلق الاولین - وما نحن بمعذبین - فكذبوه فأهلكناهم ان فی ذلك لآیة وما كان أكثرهم مؤمنین» (123/139/الشعراء).

فی هذا الموقف نتسائل ونقول: ماذا كانت دعوة هود لقوم عاد، والی ماذا دعاهم؟

الجواب:

دعاهم الی التقوی والطاعة، ودعاهم الی ترك السلبیات التی تورطوا فیها، سلبیة الغرور والبطش والاعتماد علی الامور المادیة. فماذا كان رد عاد، وماذا قالوا له؟

قالوا: لا، نحن لا نؤمن بالرجعیة، ولا نؤمن بالافكار المتخلفة التی یدعوها نبی الله هود-علیه الصلاة والسلام-.

إذاً فالمشكلة بین هود وقومه عاد لم تكن مشكلة فی أصل الایمان، وإنما المشكلة الاساسیة فیما یترتب علی الایمان من السلوك الحسن، ومن التواضع، ومن التسلیم لأمر الله، ومن التقوی والطاعة.

یقول القرآن الحكیم:

«كذبت ثمود المرسلین - إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون - انی لكم رسول أمین - فاتقوا الله وأطیعون - وما أسئلكم علیه من أجر ان أجری إلا علی رب العالمین - أتتركون فی ما ها هنا آمنین - فی جنات وعیون - وزرع ونخل طلعها هضیم - وتنحتون فی الجبال بیوتاً فارهین فاتقوا الله وأطیعون - ولا تطیعوا أمر المسرفین - الذین یفسدون فی الأرض ولا یصلحون - قالوا إنما أنت من المسحرین - ما أنت إلا بشر مثلنا فات بآیة ان كنت من الصادقین - قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب یوم معلوم - ولا تمسّوها بسوء فیأخذكم عذاب یوم عظیم - فعقروها فأصبحوا نادمین - فأخذهم العذاب أنّ فی ذلك لآیة وما كان أكثرهم مؤمنین» (141/158/الشعراء).

وهكذا كانت ثمود حیث جاء شعیب الی قومه اصحاب الایكة ودعاهم بنفس الفكرة وذات النغمة:

«فاتقوا الله وأطیعون».

إذن فكل ذلك یدل علی فكرة واحدة هی ان الانبیاء علیهم الصلاة والسلام، لم یكونوا مرسلین الی قوم یجحدون بالله جحداً تاماً إلا فی بعض الفترات اما فی الاغلب فكانت رسالتهم موجهة ضد أولئك الذین جحدوا بالله عملیاً وسلوكیاً، ونقرأ فی سورة أخری وهی سورة العنكبوت آیات توضح لنا هذه الفكرة أكثر فالقرآن الحكیم یقول:

«وعاداً وثمود قد تبین لكم من مساكنهم وزین لهم الشیطان أعمالهم فصدهم عن السبیل وكانوا مستبصرین - وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسی بالبیانات فاستكبروا فی الارض وما كانوا سابقین - فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا علیه حاصباً ومنهم من أخذته الصیحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا وما كان الله لیظلمهم ولكن كانوا أنفسهم یظلمون» (37/40).

أنظروا.. ماذا تقول هذه الآیات الكریمة، تقول ان هؤلاء استكبروا فی الارض فزین لهم الشیطان أعمالهم وصدهم عن السبیل، وكانوا أصحاب بصیرة وكان طریقهم قویماً، وبعد أن كانوا مهتدین بهدی الحق، ولكن ضلوا عن هذا الطریق بسبب أعمالهم التی زینها الشیطان لهم.

فالمشكلة اذا كانت مشكلة سلوكیة قبل أن تكون مشكلة عقائدیة بالمفهوم الضیق لكلمة العقیدة، ان الانبیاء بعثوا فی الاغلب الی أولئك الذین أنكروا الرسالات بأعمالهم ففسروها تفسیراً خاطئاً، وفسقوا ولم یأتمروا بأوامرها، ولم یلتزموا بالتزاماتها كقوم صالح (ع) أو انهم لم یطیعوا القیادات الرسالیة التی بعثت الیهم. هذه كانت خلاصة الانحراف، الذی جاء الانبیاء من أجل اصلاحه فی المجتمعات الانسانیة.